مفاتيح النصر من غزوة بدر
يو عزوه ينزل فيه السلام، ويفرغ بدرا من الشر، ويلبس الرحمة، ويرفع فيه الدرجات، ويبيد فيه الأعداء. الفرقان وقد منح الحاضرين في هذا اليوم منحة لا يحصل عليها غيرهم {لعل الله قد نظر إلى أهل بدر وقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة}. يبدو أن الله سامحهم عن الذنوب السابقة ووعدهم بمغفرة ذنوبهم المستقبلية لأنه سيوفقهم. للتوبة .
يظل هذا اليوم مهمًا بتجلياته التي ينبغي للمسلمين أن يتبعوا فيها سلوكًا مناسبًا. إذ ليس بدر مجرد معركة حربية حيث تحدثت مكاسب وخسائر، بل تحمل قيمًا تعتبر سببًا لأي نصر، بغض النظر عن تطورات المعارك وزمانها. كما تحتوي على مفاتيح يتعين علينا امتلاكها لكي نستطيع فتح الأقفال.
أولها قبل بدء الصراعات في العالم، يبدأ صراع الإرادات. إذا كان لدى الإنسان إرادة قوية وعدة صلبة، وطلب المساعدة من الله، فسينتصر بمعونة الله تعالى. الصيام – بجانب العبادات الأخرى – يساعد في تنمية الإرادة وتعزيز العزم، ولكن الشياطين من الإنس والجن يحاولون إثارة الوساوس. من الصعب التخلص من الشر واستعادة الحق، وهذا هو الوهم الذي يرفضه القرآن. فالزبد يُذهب بسرعة، بينما ما ينفع الناس يستمر على الأرض، وهكذا يضع الله الأمثال.يُنكرها الحقيقة، كم من الإمبراطوريات التي حكمت ثم اندثرت وانقضت أيامها لتحل محلها إمبراطورية جديدة تحمل فيها الإخفاق مثل المولود لكنها تتحسن تدريجيا حتى تثبت قوتها {وتلك الأيام نداولها بين الناس} [آل عمران: 140].
ثانيها: الوصول إليه إذا استخدمت بحكمة ودقة. الهزيمة دخل المسلمون معارك مثل معركة بدر رغم أنهم كانوا أقل عدداً وأقل تسليحاً من أعدائهم. ولكنهم انتصروا لأن السلاح وحده لا يكفي في المعركة. المسلمون استعدوا واستعدوا بقوة تجاوباً مع أمر الله تعالى. كانوا يعتقدون أن النصر يأتي من الله ولهذا استغاثوا به واعتمدوا على قوة الله والملائكة. صلى الله عليه وسلم حتى شفق الصديق على صديقه وقال: “يا نبي الله, كفى مسايلتك ربك, فسينجز لك ما وعدك”.
لم يكن طلب النصر من الله فقط من خلال الدعاء والاستغاثة، بل كان يتطلب أيضا التمسك بالقيم الإسلامية وتعزيزها. فمن بين هذه القيم الوفاء، حيث خرج حذيفة بن اليمان مع والده وقابلهم المشركون الذين سألوهم عما إذا كانوا يسعون لقتال النبي محمد. وبدلا من ذلك، قام حذيفة بإتمام عهد الله وميثاقهم بعدم القتال والانصراف إلى المدينة. ولما أبلغ النبي محمد بالواقعة، أكد على أهمية احترام المشركين عهد الله وتعاقدهم وسمح لحذيفة ووالده بالمغادرة، مما يظهر التزامه بالوفاء ورفضه للخيانة. وإذا كان الله يكره الخونة ولا يحبهم، فكيف يمكن أن يمن عليهم بالنصر والدعم؟
بعد النجاة والامتنان، انظر إلى الدعم الذي أنزله الله على المسلمين، حيث ناموا لياتيهم نومًا آمنًا من الله، وأنزل عليهم ماء من السماء ليطهروهم ويذهب عنهم شر الشيطان، ويثبت قلوبهم ويثبت أقدامهم. كما نظر إلى أثار القوة التي ظهرت على جيش المسلمين، حيث قال عمير بن وهب الجمحي الذي أُرسل ليكشف عن قوة المسلمين ويحسن في عددهم: “يا أهل قريش، البلاء يحمل المنايا، نواضح اليثرب تحمل الموت المحق، قوم لا ملجأ لهم ولا منعة إلا سيوفهم! ألا ترونهم خُرسًا لا يتكلمون، يتلمظون تلمظ الأفاعي! والله، لا أرى أحدًا يمكن أن يقتل منهم حتى يقتل منا أحدًا، فإذا واجهونا بعددهم فما الفائدة في الحياة بعد ذلك! فكونوا حكماء في اتخاذ أفكاركم!”
من هذه المعركة الحاسمة، يجب علينا أن نستمر في تذكر الرسالة الخالدة، التي تعلمنا منها أن الله يقدم المساعدة لنا حتى وإن كنا ضعفاء وذللاء. علينا أن نتقي الله ونشكره دائمًا، حتى في حال كان أعداؤنا قليلي العدد والسلاح. فالله يضعف مخططات الكافرين بغض النظر عن قوتها.
ثالثها: تقسيم العمل ، كانت الدواب التي حملت المسلمين قليلة مقارنة بعدد الجيش، لذلك قسم النبي صلى الله عليه وسلم كل ثلاثة أشخاص يتناوبون على ركوب الإبل. وعندما انتهت المدة المحددة للرسول صلى الله عليه وسلم، أراد النزول ليركب معهم، لكنهم رفضوا وقالوا: “نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ”. فرد النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: “مَا أنْتُمَا أَقْوَى مِنِّي، وَلَا أنَا بِأَغْنَى عَنِ الأَجْرِ مِنْكُمَا”. وهكذا، عندما يقوم كل فرد بواجبه ويعمل دون الاعتماد على الآخرين، ينشط الناس ويتسابقون نحو الخير.
رابعها: الشورى عندما وصلت الأخبار إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأن الموقف قد تغير وأن القافلة التي خرجوا لمقابلتها نجت، وأنهم يواجهون الآن جيشًا مسلحًا كبيرًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أعطوني رأيكم أيها الناس”، ورد عليه الصديق والفاروق والمقداد بن الأسود بأفكار تعبر عن طاعتهم له. في هذه الظروف الصعبة، طلب النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه تقديم آرائهم كدعم لمبدأ الشورى الذي يساهم في النجاح والتقدم. عندما يتم منع الرأي المختص من التعبير عن وجهات نظرهم، يمكن للمجتمعات أن تتدهور، ولكن عندما يتمكن الأفراد ذوو الخبرة من تقديم حلولهم، يحدث تطور إيجابي وتعزز قيم المجتمع.
خامسها: التعليم إحدى المفاتيح الرئيسية التي يمكن للمسلم من خلالها التعرف على ربه ودينه ودنياه هي المعرفة، وهي الأداة التي يمكن أن يتقدم بها لمساعدة أمته في مختلف معاركها، مثل معركة البناء، ومعركة الحفاظ على الهوية، ومعركة حماية الأرض والعرض. لا يمكن للمسلم أن يقوم بالواجبات المتعددة تجاه نفسه وربه وأمته إلا إذا عرف هذه الواجبات وكيفية تنفيذها. من أجل نشر العلم بين المسلمين، جعل النبي صلى الله عليه وسلم استرداد بعض الأسرى تعليم أبناء المسلمين الكتابة، حيث من المستحقين للحرية الأسير الذي يتقنون هذه الفنون، وهذا يوضح جهود الإسلام في القضاء على الأمية.
الصراع بين الصواب والخطأ قديم ومستمر في تاريخ البشرية، وعلى الخطأ جولة وعلى الصواب جولات أخرى. ليس الضعف أن تنغمر فريقاً بالبهجة والانتصار على الآخر، بل يجب أن تكون اليقظة هي شعار المسلمين في كل عصر، كما قال الله تعالى “وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً”، فاليقظة تجعل المرء على علم بغفلة العدو والجهة التي قد تهاجمه منها، وتساعده في تحقيق النصر بأقل الخسائر.
[1] الصحيحين واللفظ للبخاري
[2] مصنف ابن أبي شيبة
[3] مسند أحمد وقال محققوه صحيح
البلايا هو الاسم الجمع لبلية وهي الحيوان الذي يربط على قبر الميت ولا يتعافى أو يسقى حتى يموت، وكان هذا من عادات أهل الجاهلية.
[5] مغازي الواقدي
[6] مسند أحمد
[7] دلائل النبوة
[8] عيون الأثر