فقه الصيام للشيخ فيصل مولوي

تحتوي هذه الوثيقة على مجموعة من المعارف الفقهية والتوجيهات المتعلقة بأحكام الصيام، من تأليف الشيخ فيصل مولوي طيب الله ثراه. كُتِبت بلغة سليمة وبشكل شامل يلبي احتياجات القارئ الفاضل ويساعده في فهم قوانين الصوم والموضوعات المرتبطة بشهر رمضان مثل صلاة التراويح وليلة القدر وسنن الاعتكاف.

ثبوت دخول شَهر رمضان

تبدأ رؤية شهر رمضان من خلال تأكيد أحد الجانبين:

1 – إذا كانت الأجواء صافية ولا يوجد ما يعيق الرؤية في يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان، فيتوجب مراقبة الهلال استناداً إلى الحديث النبوي الشريف الذي يقول: “ابدأوا الصيام برؤية الهلال وأنهوه برؤيته…” وهذا ما اتفق عليه في الأحاديث الصحيحة.

يكفي أن يشهد مسلم عادل برؤيته للهلال لشهر رمضان ليُعتمد ذلك في الإعلان عن بداية الصوم، استناداً لما نُقل عن ابن عمر حيث قال: تطلع الناس للهلال وعندما أبلغت الرسول صلى الله عليه وسلم بأني قد رأيته، أقر بصحة الرؤية وأمر الناس بالبدء في الصيام. (الحديث مُروي بواسطة أبو داود وقد صُحح بواسطة الحاكم).

2- في حال كانت رؤية الهلال غير ممكنة، يتوجب على المسلمين استكمال العدة لشهر شعبان إلى ثلاثين يومًا، استنادًا إلى الحديث القائل: “… فإذا لم تتمكنوا من رؤية (الهلال) بسبب الغيوم، فاجعلوا عدة شعبان ثلاثين يومًا” (متفق عليه).

يُؤكد رؤية هلال شهر شوال من خلال شهادة اثنين من الشهود العدول، ولا تُعتبر شهادة رجل عدل واحد كافية في هذه الحالة لأن الأمر يخرج عن كونه عبادة تتطلب الدقة والثقة. لذا، إن لم يتسنَّ مشاهدة الهلال، يجب أن يستكمل شهر رمضان ليكون مدته ثلاثين يوماً.

يلزم المسلمين البحث عن الهلال بعد غروب الشمس في التاسع والعشرين من شهري شَعبان ورمضان، كما أن هذا الفعل يُعد من واجبات الكفاية.

استعمال الحساب والمراصد

أجمع العلماء على إمكانية استخدام المرصد في مشاهدة الهلال، حيث يعتمد التأكيد على المشاهدة البصرية، حتى وإن كانت بمعاونة أدوات عصرية. إلا أنهم اختلفوا حول تحقيق رؤية الهلال عبر الحسابات الفلكية دون الحاجة للمشاهدة المباشرة.

يعتقد العديد من العلماء الحديثين أن استخدام الحسابات الفلكية لتحديد رؤية الهلال غير مقبول، لأن هذه القضية تتعلق بالعبادة ويجب الاعتماد فيها على النصوص الدينية الصريحة. وقد اتفق علماء الماضي على أن الصيام والإفطار بناءً على معرفة الفلك ليس صحيحًا، حيث إن علم الفلك يعتمد على الافتراضات والتقديرات.

يذكر بعض المعاصرين أن هدف التحقق من ولادة الهلال يتمثل في الوصول إلى اليقين، وأن الحسابات العصرية تعطينا درجة يقين أعلى مقارنة بالرؤية البصرية. وهم يرون أن تمام عدة شهري شعبان ورمضان إلى ثلاثين يوماً هو مجرد طريقة بديلة لتحقيق اليقين. لم يكن لدى النبي صلى الله عليه وسلم سوى هاتين الطريقتين للتحقق، لذا دعا إلى اتباعهما. ولكن إذا ظهرت طريقة جديدة تؤدي إلى اليقين، فيجوز استخدامها. كما لفت النبي صلى الله عليه وسلم الانتباه إلى سبب الاعتماد على الرؤية، وهو جهل المسلمين بالحساب في تلك الأيام، مما يعني أن بإمكانهم الاعتماد على الحساب إذا تعلموه. فقد قال صلى الله عليه وسلم: «نحن أمة أُمية لا نكتب ولا نَحسب، الشهر هكذا وهكذا – يعني تسع وعشرون أو ثلاثون» (رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي). ومن المعروف اليوم أن الحسابات الفلكية قد تطورت وأصبحت تختلف عن الحسابات القديمة التي كانت تعتمد أكثر على التقدير والظن.

اختلاف المطالع

عندما تتأكد مشاهدة الهلال في إحدى الدول، يعتبر الصيام فرضًا على كافة المسلمين في كل الأماكن حسب قول غالبية الفقهاء، إذ لا يرون اعتباراً في اختلاف مواقع ظهور الهلال. هذا هو الرأي المعتمد لدى الحنفية. أما من وجهة نظر الشافعيين، فينبغي لأهل كل منطقة أن يأخذوا بمشاهدتهم الخاصة للهلال، ولا تجبرهم مشاهدة مكان آخر ما لم يكن موقع الهلال نفسه مشتركاً بين البلدين.

تعريف الصِّيام ومشروعيَّته

تعتبر الامتناع عن المبيحات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع القصد عبادة الصوم، الذي شرعه الله سبحانه وتعالى للمؤمنين في شهر رمضان المبارك، الذي تم توجيبه في العام الثاني بعد هجرة النبي محمد إلى المدينة، بعد مرور تسعة وعشرين يوماً من شهر شعبان.

وتدرَّجت أحكام الصيام في مراحل ثلاث:

المرحلة الابتدائية: في هذه الفترة، كان الصيام خيارياً. فللشخص الحرية في أن يصوم إن أراد، وإن أراد عدم الصيام – حتى لو كان يملك القدرة على ذلك – فعليه أن يؤدي فديةً بإطعام فقير. وكما جاء في قول الله تعالى: { وَعَلى الذينَ يُطيقونَهُ فِديةٌ طَعامُ مِسْكينٍ } [سورة البقرة: 184]، يعني هذا أن على الأشخاص القادرين على الصيام الذين اختاروا عدم القيام به أن يقوموا بإطعام محتاج لكل يوم لم يصوموه.

المرحلة الثانية: أصبحت عبادة الصوم في هذه المرحلة واجبة من دون اختيار، وأُتيح للشخص المعتل والمسافر خيار الإفطار ومن ثم قضاء ما أفطر من أيام بعد انقضاء شهر رمضان. وهذا ما جاء في كلام الله عز وجل: { ومن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدد من أيام أخر } [البقرة: ١٨٥].

المرحلة الرابعة: أصبح من المسموح به تناول الطعام والمشروبات والعلاقة الزوجية من وقت مغيب الشمس حتى بزوغ الفجر في اليوم الذي يليه. في المرحلتين الأولى والثانية من تشريعات الصوم، كان على الشخص الذي ينام أثناء النهار أن يمتنع عن هذه الأمور حتى اليوم التالي، الأمر الذي وجد المسلمون فيه صعوبة، فأنزل الله تعالى قوله: {أذن لكم في ليل الصيام أن تقربوا نساءكم…}، ويتبع ذلك قوله: {وتناولوا الطعام واشربوا حتى يظهر لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود عند الفجر…} [سورة البقرة: 187].

اتفق المسلمون جميعًا على أن الصوم في شهر رمضان فرض لازم، وأنه يُعد أحد الأعمدة الأساسية للإسلام، ومن ينكر فرضيته يُعتبر كافرًا مرتدًّا.

فضل شهر رمضان والتَّرهيب من الإِفطار فيه

أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الشخص الذي يصوم شهر رمضان بإيمان صادق وبحثًا عن الأجر من الله، سيُمحى له كل ما سبق من خطاياه. (نقل الحديث الإمام أحمد وأهل السنن).

قال: “عندما يأتي شهر رمضان تُفتح أبواب الفردوس وتُقفل بوابات جهنم وتُقيّد الشياطين، ويصدح منادي يُخبر: يا طالب الخير تقدم ويا طالب الشر اكفف”، (هذا الحديث رواه الجماعة ما عدا أبو داود).

نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله جل وعلا تفضل قائلاً: إن كافة أعمال الإنسان من أبناء آدم تُحتسب له، إلا الصيام، فهو من أجلي وأنا من يثيب عليه. وللصيام خصيصة كونه حماية للمرء – أي درع يحميه – وعندما يحين وقت صوم أحدهم، ينبغي ألا يتلفظ بما يتنافى مع الأدب وألا يتصرف بصخب. وإذا ما أهين أو دخل في شجار، عليه أن يذكر أنه شخص مرتاد للصيام. وقسماً بالذي بيده نفس محمد، إن رائحة فم الصائم في نظر الله أزكى من عطر المسك. لذي الصوم مسرتين: مرة عند إفطاره ومرة حين يستقبل ربه، ويسعد بصيامه. (رواه الخمسة).

نقل الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: “مَن فَطّر في يوم من أيام رمضان دون عذر شرعي يسمح الله به، فإن الإمساك بقية حياته كلها لا يعوض ذلك اليوم الذي أفطر فيه”، وقد أخرج هذا الحديث كل من أبو داود وابن ماجه والترمذي.

شروط الصيام

شروط الصيام نوعان:

الصنف الأول: متطلبات إلزامية الصيام – وهي الأسس التي يتوقف عليها اعتبار الصيام فريضة إجبارية – وتشمل: الانتماء إلى الدين الإسلامي، والقدرة العقلية والمسؤولية الشرعية، والقدرة الجسدية على التحمل. لذا، لا يُطلب الصيام من غير المسلمين، ولا من المسلمين الذين لا يُحاسبون شرعاً مثل المجنون والطفل الصغير، بينما يُشجّع الأطفال على الصيام ليصبحوا معتادين عليه، ومن الممكن معاقبتهم على التقصير فيه إذا تجاوزوا العشر سنوات من عمرهم، كما يعتبر صيامهم صحيحًا إذا كانوا يفرقون ويميزون الأشياء (أي وصلوا لسن السابعة). أما الأشخاص الذين لا يملكون القدرة الجسدية على الصيام مثل الشيخ الهرم أو المريض بمرض ميؤوس من شفائه، فيُعفون من الصيام ويُطلب منهم دفع الفدية بدلاً عنه.

نوع الثاني: معايير صحة الصوم وشروطه – وهذه الشروط ضرورية لكي يعد الصوم صحيحاً ومقبولاً – وتشمل: اعتناق الإسلام وقدرة الفتى على التفريق، بالإضافة إلى النقاء من الحيض والنفاس، فالمرأة المحيضة والنفساء لزام عليهن الصوم ولا يكتمل صحيحاً إلا بعد طهرهما. لذا يجب عليهن الإفطار طوال مدة الحيض أو النفاس، ثم عندما تتطهران يجب عليهما قضاء الأيام التي أفطرتا فيها. كما يُشترط ألا يكون اليوم المُصام فيه محظوراً للصوم كأيام العيد وغيرها.

فروض الصيام

وهي اثنان:

تُعدّ النية جوهرية؛ لأنها العنصر الذي يفرّق بين العبادات والعادات اليومية، وليس من الضروري النطق بها لأن مكانها هو القلب. فمن أدى وجبة السحور بنية الصيام، فقد نوى، ومن قرر الامتناع عن كل ما يفسد الصوم، تبعاً لأمر الله، فإن تصميمه يُعتبر نية صحيحة. يستمر وقت النية للصيام من بداية الليل حتى موعد الفجر، وهذا يخص صوم رمضان، وقضاء الأيام المفقودة منه، وصيام النذور والكفارات. إذا طلع الفجر دون نية الصيام، فلا يعتبر الصوم صحيحاً استناداً لما قالته حفصة رضي الله عنها من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “من لم يُجمع – أي لم يحكم نيته وعزمه – الصيام قبل الفجر، فلا صوم له”. وقد روى هذا الحديث أحمد ومؤلفو السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان. أما فيما يتعلق بصوم التطوع، فتعتبر النية صحيحة حتى الوقت الذي يسبق الزوال، وفقاً لمذهبي الأحناف والشافعية، استنادًا إلى حديث عائشة رضي الله عنها حيث ذكرت: دخل النبي صلى الله عليه وسلم يومًا، وسأل: “هل عندكم شيء؟” فلما قلنا لا، قال: “إذًا أنا صائم”. وهذا الحديث رواه مسلم وأبو داود.

الابتعاد عن تناول الطعام والشراب: يجب التوقف عن تناول أي شيء يُعتبر مُفطراً منذ ظهور الشفق الصباحي حتى غروب الشمس، وتُقسم المفطرات إلى أربع فئات:

جميع المواد التي تُتناول عبر الفم، كالأطعمة والمشروبات التي تمد الجسم بالتغذية، أو تلك التي ليست مفيدة للجسم، تعد جزءًا مما يُدخل للبطن. بينما المواد التي تتكون منها التغذية للجسم والتي قد تُعطى من غير طريق الفم، مثل الحقن الوريدية، لا تعتبر مفطرة. وبالمثل، الحقن الطبية التي تُعطى عن طريق العضلات أو الأوردة لا تؤثر على الصيام.

إذا حدث الاستفراغ بشكل اضطراري ولم يكن الشخص متعمدًا له، فإن ذلك لا يبطل الصيام. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من فاجأه القيء بدون قصد منه فلا حاجة له في إعادة الصوم، أما من أقدم على التقيؤ بإرادته وقصد فعليه أن يقضي ذلك اليوم”، وقد روي هذا الحديث عن طريق أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والدارقطني والحاكم، وقد صحح الحديث الأخير ذكره.

ممارسة العادة السرية التي تؤدي إلى إفراز السائل المنوي عمداً، سواء نتج ذلك عن تقبيل الرجل لزوجته أو استعمال اليد، تُبطل الصوم. في حين أن الإفراز الناتج عن مجرد النظرات أو التأمل لا يُعتبر مفسداً للصيام، وهذا ينطبق أيضاً على خروج الإفرازات المعروفة بالمذي التي لا تؤثر على صحة الصيام.

يُسمح بالعلاقة الزوجية في شهر رمضان فقط خلال الليل لأن الله سبحانه وتعالى قد حدد ذلك وأتاحه في هذا الوقت: “قد أذِن لكم في ليالي الصوم بالقرب من أزواجكم” [سورة البقرة: 187].

يتطلب الأمر في كل هذه الأعمال التي تُبطل الصيام أن يقوم بها الصائم وهو مُدركٌ لصيامه. إذا تناول الطعام، أو الشراب، أو مارس العادة السرية، أو أحدث القيء، أو أتى زوجته وهو لا يتذكر أنه صائم، فلن يُعتبر قد أفطر سواء حدث ذلك في شهر رمضان أم في غيره من الأيام، وسواء كان الصيام واجبًا أو تطوعًا. وذلك استنادًا لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: “من نسي وهو صائم فأكل أو شرب، فليُكمل صيامه، فإن الله هو الذي أطعمه وسقاه” كما روت الرواية الجماعة.

أنواع حالات الإِفطار في رمضان

حالات الإفطار في رمضان ستة أنواع:

من الضروري أن تفطر المرأة الحائض والنفساء، ولا يجوز لهما الإمساك بنية الصيام، ويتوجب عليهما إتمام أيام الصوم التي قطعتاها فقط، أي: أن عليهما أن تصوما مقابل الأيام التي لم يصوماها. فقد ذكرت عائشة: “كنا نُمنَع من الصيام في أيام الحيض إبان حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ويُطلب منا القضاء للصيام، لكن لم يُطلب منا القضاء للصلاة” – هذا ما أورده البخاري ومسلم.

يحق للمريض والمسافر أن يفطرا، وعليهما أداء ما فات من صيام لاحقًا. إذا كان الصيام أثناء السفر لا يضر، فهو الأسلوب المفضل، لكن إذا وجد الضرر، فالإفطار هو الأولى. نقل أبو سعيد الخدري، رضي الله عنه، قائلاً: “كنا نشارك في الغزوات مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في شهر رمضان، حيث كان بعضنا صائمًا والآخر مفطرًا، ولا يعترض الصائمون على المفطرين ولا العكس، ثم اتفقوا على أن من يجد بنفسه القدرة على الصوم فيفعل، فهذا جيد، ومن يجد في نفسه الضعف ويفطر، فهذا جيد أيضًا”، الحديث رواه أحمد ومسلم. ويُشترط للإفطار أثناء السفر أن تكون المسافة كافية لقصر الصلاة، وينبغي على المسافر الخروج قبل طلوع الفجر. إذا كان الشخص مقيمًا ونوى الصيام ثم سافر بعد طلوع الفجر في بلده، فلا يحق له الإفطار. بينما إذا كان مسافرًا ونوى الصيام من الليل ثم أراد الإفطار أثناء النهار، جاز له ذلك. ويُسمح للمريض بالإفطار إذا كان الصيام يؤدي إلى زيادة المرض أو تأخير الشفاء، ويعتبر صيامه صالحًا رغم الكراهية، لتجاهله التخفيف الذي يرتضيه الله. وللحامل والمرضع حق الافطار، وعليهما القضاء فقط، تماشياً مع التساوي مع المريض في هذا الحكم.

يحق للرجل الهرم والمرأة الكهلة والمريض الذي لا يُتوقع شفاؤه أن ينقطعوا عن الصوم، ولا يتوجب عليهم إكمال أيام أخرى بدلاً من ذلك، لكن يتعين عليهم دفع كفارة، والتي تكون على شكل إطعام فقير لكل يوم فائت. وفقاً لما نقل عن ابن عباس حيث قال: (أُعطي الإذن للرجل الطاعن في السن بأن يترك الصوم ويقدم طعاماً لفقير عن كل يوم ولا يجب عليه الإتمام). هذا ما نقله الدارقطني والحاكم وقد صححا الحديث.

الشخص الذي يفطر عمدًا بدون جماع، مثل الذي تناول طعامًا أو شرابًا، أو قام بالقيء عن عمد، أو الاستمناء، وكذلك من يفطر دون قصد، كالذي ظن أن الفجر لم يبزغ بعد فتناول وجبة السحور، ثم اطمأن بأن الفجر قد بزغ، أو من اعتقد بأن الشمس قد مالت للغروب فتناول الطعام، ليكتشف بعدها أنها لا تزال مشرقة. وكذلك الشخص الذي أغمي عليه، يجب على كل هؤلاء القضاء بلا إلزام للكفارة، على عكس الشخص الذي أكل ناسياً، فليس عليه قضاء كما قد ذُكر. والشخص الذي يفطر عن طريق الخطأ لا يحمل إثمًا، لكن الذي يفطر عن عمد، فإثمه عظيم بناءً على قول النبي عليه الصلاة والسلام: “من أفطر يوماً من رمضان ولم يقض ذلك اليوم، فإن صيام الدهر كله لا يجزئ عنه”، كما أخرج الحديث أحمد والدارمي.

الشخص الذي يتعمد الإفطار بالجماع ملزم بأن يمتنع عن الطعام والشراب لباقي اليوم، وأن يقضي الصوم وعليه كفارة حسب إجماع العلماء. بينما هناك خلاف بشأن إلزام المرأة بالكفارة؛ فقد قرّر الحنفيون وجوبها عليها مثل الرجل، في حين لم يرَ الشافعيون ذلك واجبًا عليها.

الشخص المختل عقليًا حتى يعود إلى رشده، والطفل حتى يصل إلى سن الرشد، وغير المسلم حتى يعتنق الإسلام، ليس عليهم أداء تعويض أو كفارة.

إن الجزاء عن بعض التقصيرات هو تحرير عبد، فإذا كان الشخص عاجزاً عن ذلك، فيتعين عليه صوم شهرين متواصلين، وإذا لم يستطع القيام بالصيام، فيجب عليه إطعام ستين شخصاً محتاجاً بما يعتبر متوسطاً في مأكل أسرته. والالتزام بهذا التسلسل الكفاري مفروض بحسب رأي الأغلبية الساحقة من العلماء، ولا يتم الانتقال إلى الخيار التالي إلّا إذا تعذر فعل السابق، استناداً إلى الحديث النبوي المعروف، حيث أقبل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: أهلكت يا رسول الله. فسأله النبي: “ما الذي أهلكك؟”، فأجاب الرجل: إنه كان على علاقة بزوجته في نهار رمضان، فسأله النبي: “هل تملك ما يمكنك من تحرير عبد؟”، فأجاب الرجل بالنفي، فقال النبي: “فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتاليين؟”، فأجاب أيضاً بالنفي، فقال النبي: “فهل تجد ما يكفي لإطعام ستين مسكيناً؟”، فأجاب بلا، ثم جلس. بعدها أحضر النبي صلى الله عليه وسلم سلة مملوءة بالتمر وقال: “تصدق بهذا”، فقال الرجل: وأي فقير أشد حاجة منا؟ فلا يوجد في نطاق الحي من هو أحوج إليها من عائلتي. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بانت أضراسه وقال: “اذهب فأطعمها لأسرتك”. (رواه الجماعة).

لمن أتى بالجماع مرات عدة في يوم واحد، يتوجب عليه التكفير مرة واحدة فقط. أما إذا تم الجماع في أيام مختلفة، فيجب عليه التكفير عن كل يوم جماع واحد، إلا لمن يتبع مذهب الحنفية فيكفيه تكفير واحد. وإذا قام بالجماع مرة أخرى بعد تأديته للكفارة الأولى، فيجب عليه أداء كفارة جديدة.

قضاء الفائت من الصيام

يتوجب على الشخص أن يصوم الأيام التي فاتته من شهر رمضان الماضي قبل حلول الشهر الجديد، وهذا بناءً على إجماع الفقهاء. ويكون قضاء هذه الأيام مماثلاً لصيامها في الأصل من ناحية العدد، إذ إن من لم يصم ثلاثة أيام عليه أن يقضيها بثلاثة أيام أخرى. كما أنه لا يُشترط صوم الأيام المقضية متتاليةً، حيث يصح التفريق بينها، ولكن يُفضّل الصيام المتصل لأنه يكون أكثر تشابهاً مع الصيام الأصلي.

إذا جاء شهر رمضان الجديد ولم يكن الشخص قد أدى ما فاته من الصيام الواجب، فيتوقف ذلك على سبب التأخير. فإن كان لعذر مقبول، يجوز له تأجيل القضاء حتى بعد انتهاء صيام رمضان دون أي مؤاخذة. أما إذا لم يكن هناك عذر مبرر، فيتعين عليه القضاء بالإضافة إلى دفع كفارة، والمتمثلة في تقديم وجبة لفقير عن كل يوم فوته.

إذا توفي المسلم وكان عليه صيام فمن المستحب أن يقوم وليه بالصيام عنه استناداً لما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: “من مات وعليه صيام، صام عنه وليُّه”، وهذا الحديث مروي عن طريق الشيخين. أما بالنسبة للشافعية، فيمكن للولي الاختيار بين الصيام أو دفع فدية. بينما تذهب الأغلبية إلى أن على الولي إطعام مسكين كل يوم نيابة عن الميت، استناداً إلى الحديث الذي يقول: “من مات وعليه صيام أطعم عنه مكان كل يوم مسكيناً”، وهذا الحديث رواه الترمذي ومنقطع الإسناد إلى ابن عمر.

مباحات الصيام

يباح للصائم ما يأتي:

الغمر في السائل واستعماله للتنظيف والتطهير كان معمولاً به، استناداً لما ورد عن النبي محمد عليه الصلاة والسلام، حيث «كان يفيض على رأسه السائل وذلك حينما يصوم شديد العطش أو تحت تأثير الحرّ»، هذا ما أورده العلماء أحمد ومالك وأبو داود بسند معتبر. وإن تسرب الماء إلى بطن صائم دون عمد، يظل صومه مقبولاً، إذ يعتبر مثله كمثل الشخص الذي ينسى.

استخدام الكحل ووضع القطرات داخل العين لا يُفسد الصيام، حتى إذا شعر الصائم بطعمها في الحلق، لأن العين لا تُعد مدخلاً مباشراً للباطن. والحال ذاته ينطبق على قطرات الأذن. في المقابل، أي شيء يتم إدخاله عبر الفم أو الأنف يُعد مبطلاً للصوم.

الغرغرة والتنفس عبر الأنف بدون إفراط، فإذا تم ابتلاع الماء بدون عمد فلا يُعتبر ذلك مفسداً للصيام كما لو كان الشخص ناسياً.

احتفاظ الفرد بتحكمه في ذاته هو المعيار الأساسي لجواز القبلة، بغض النظر عن كونه شابًا أو كبيرًا في السن. الشخص الذي تثور غرائزه بمجرد القبلة يستحب له البعد عنها. وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يُقبل وهو صائم. كما ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل وهو صائم فذهب إلى النبي مُعترفًا بأنه فعل شيئًا خطيرًا لأنه قبل أثناء صومه. فرد عليه الرسول بسؤاله عن رأيه في المضمضة بالماء وهو صائم، فأجاب عمر أنه لا مشكلة في ذلك، فأوضح له النبي أن كلا الأمرين ليس فيه بأس.

الحِجَامَة تعني استخراج الدماء من الرأس، بينما الفصد يشير إلى استخلاص الدم من أية جزء آخر من الأعضاء. وكان النبي، صلى الله عليه وسلّم، يقوم بالحِجَامَة حتى وهو في حالة الصيام، وقد أورده البخاري في مجموعته الصحيحة. لكن في حال إذا أدت الحِجَامَة إلى إضعاف الشخص الصائم، فيُنظَر إليها على أنها غير محبذة.

الحقنة الشرجية هي وسيلة لإزالة الفضلات من الجسم، فهي تعمل بإدخال محلول علاجي وليس طعاماً داخل الجسم عبر مسار غير المسار الطبيعي المستخدم للتغذية.

يُسمح للصائم بفعل الأمور التي لا يستطيع تجنبها، مثل ابتلاع اللعاب واستنشاق غبار الطرقات. كذلك، يُسمح بشم العطور والروائح الذكية. وفي حال الضرورة، يُسمح للمرأة أن تتذوق الطعام بشرط أن تقوم بإخراجه من فمها لئلا يصل إلى المعدة ويؤدي إلى إفطارها.

يُسمح للمرء الذي يصوم أن يقوم من النوم وهو في حالة جنابة، بغض النظر عن كونها ناتجة عن الاحتلام أو الجماع. ومن الأفضل أخذ الغسل من الجماع قبل الذهاب إلى الفراش. قد نقلت عائشة وأم سلمة رضوان الله عليهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أحيانًا يستيقظ وهو مجنب من أثر الجماع، ثم يتوضأ ويمضي في صيامه، وهذا الأمر متفق عليه بين الروايات.

قد يعجبك أيضا  ما هو الفرق بين المسجد والجامع في الإسلام

يُسمح للصائم بمواصلة تناول الطعام حتى يبزغ الفجر، وإذا ما أشرق الفجر وكان لا يزال يتذوق الطعام، يتعين عليه أن يقذف ما بفمه خارجًا. إذا قام بذلك، يعد صومه شرعيًا، بينما لو اختار بلع الطعام الموجود في فمه، فإنه يكون قد أفطر. ويُستحسن أن يتوقف عن الأكل على مسافة زمنية قصيرة من الفجر.

آداب وسنن الصيام

وجبة السحور: جاء عن النبي، صلى الله عليه وسلم، حثه على تناول السحور معللاً ذلك بأنها مباركة، وهذا موضوع إجماع. والسحور يمكن أن يكون بسيطًا مثل شربة من الماء، والوقت المناسب له يبدأ من نصف الليل ويستمر حتى الفجر، ومن الأفضل تأخيره قدر المستطاع.

يُفضل أن يُفطر الصائم بسرعة بعد التأكد من غروب الشمس استناداً إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول: “ما زال الناس في خيرٍ طالما هم يُفطِرون بسرعة”. يُفضل أيضاً أن يكون الإفطار على تمرات، ويستحب أن تكون عدداً فردياً. إذا لم يتوفر التمر، فيُمكن الإفطار على الماء. بعد ذلك، يجب أداء الصلاة قبل تناول وجبة الطعام، إلا إذا كان الطعام جاهزاً، فيُمكن تناول الطعام أولاً ثم القيام بالصلاة.

الإلتماس من الله وقت كسر الصيام بكلمات نقلت عن النبي محمد، صلوات الله وسلامه عليه، حيث قال: “قد انجلى العطش واستسقت الوريد، وتمكن الثواب بإذن الله عز وجل” (نقله أبو داود والنسائى). وأيضاً هناك الدعاء الثابت للطعام: “نسألك يا الله أن تبارك لنا فيما أعطيتنا ونجنا من حر النار” (نقله ابن السني).

الابتعاد عن السلوكيات التي تتعارض مع الصّوم كالكذب والغيبة والنميمة والكلام الفارغ والخشونة وكافة الأمور التي حذّر منها الإسلام لتحقيق التقوى التي هي مقصد الصوم. فقد قال النبيّ، صلى الله عليه وسلم: “إن الصوم ليس من الأكل والشرب فقط، بل هو من ترك الكلام البذيء والخشونة، وإذا أهانك أحد أو جهل عليك، فقل: إني صائم، إني صائم” وهذا ما نقله الحاكم وآخرون. وأيضاً قال، صلى الله عليه وسلم: “من لم يجتنب الكلام الباطل والعمل به، فليس الله بحاجة إلى أن يترك طعامه وشرابه”، وهو حديث روته الروايات ما عدا الإمام مسلم.

الحرص على إفادة الناس بالأعمال الحسنة، وبالأخص في مجال تعلم القرآن الكريم والإنفاق في مسار الخير: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يتصف بسخاء وكرمٍ لا يضاهيهما أحد، وتزداد كرمه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان المبارك عندما يجتمع به جبريل عليه السلام، حيث كان يجتمعان كل ليلةٍ من ليالي رمضان ليتدارسا القرآن الكريم”، حسب ما تناقله الشيخان في رواياتهما.

الجَدّ والمثابرة في العِبادات، والحرص على اتباع السُّنة وأداء النوافل، وتحديداً أداء صلاة التراويح، استناداً إلى قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “مَن صلّى رمضان مُؤمناً ومُحتسباً، أُعتق رقبته من الذنوب التي سبقت” (رواية متفق عليها).

الحرص على استخدام السواك، حيث أخبر عامر بن ربيعة: (شهدتُ النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم السواك مراتٍ عديدة وهو في حالة صيام). (نقله البخاري).

تجنب الأمور المباحة المذكورة سابقًا إلّا في حالات الضرورة، مثل استخدام الحجامة، الفصد، تذوق الأطعمة، وكذلك تأجيل الاستحمام حتى بعد طلوع الفجر.

الصيام الواجب

ويشمل ما يلي:

الامتناع عن الطعام والشراب في شهر رمضان من السنة. استنادًا إلى قول الله عز وجل: {… ومن كان منكم حاضرًا الشهر فيلزمه الصوم …} [سورة البقرة: ١٨٥].

صيام الكفارات وهي:

تعتبر كفارة ذنب قتل شخص بالخطأ هي الإمساك عن الطعام، أي الصيام، لمدة شهرين يتبع أحدهما الآخر. وذلك استناداً لما جاء في كتاب الله عز وجل بقوله: “إذا أزهق إنسان حياة مؤمن بغير قصد، فعليه أن يُطلق سراح عبد مؤمن ويدفع دية لذوي القتيل، ما لم يتنازلوا عنها. فإن كان القتيل ينتمي لقوم يعادونكم وهو مؤمن، فيجب على القاتل تحرير عبد مؤمن. وإن كان هناك عهد بينكم وبين قوم القتيل، فيجب دفع الدية لأهله وتحرير عبد مؤمن. ومن لم يستطع العثور على عبد ليطلقه، فعليه صيام شهرين متواصلين” [سورة النساء: الآية 92].

تتمثل الكفارة لمن جامع عمداً في نهار رمضان أثناء الصوم في إمساك شهرين متواليين، وهذا ما أُشير إليه في الفقرة الخامسة ضمن بحث أحكام الإفطار في الشهر الفضيل.

تعويض خلف القسم: إذا لم يستطع الشخص إطعام عشرة من الفقراء، فعليه صيام ثلاثة أيام، استنادًا لقول الله تعالى: { … ولكن يُحاسِبُكُم بما قُلْتُم في الأيمان، فجَزاؤُها إعالةُ عشرة محتاجين من مأكلٍ متوسّط القيمة، كما تقدمون لعائلاتكم أو تكسوهم، أو تحرير عبد. فإذا لم يكن ذلك ممكناً، إذًا الصومُ لثلاثة أيام … } [المائدة: 89].

تعويض الحجاج عن عدم قدرتهم على الذبح: يُلزم الشخص الذي يتوجب عليه ذبح الهدي ولا يتمكن من ذلك، بأن يصوم عشرة أيام بناءً على ما ذكره الله عز وجل في كتابه الكريم: {فمن لم يجد هديًا، فعليه أن يصوم ثلاثة أيام أثناء تأدية الحج وسبعة أيام بعد العودة إلى دياره، وبذلك يتمم صيام عشرة أيام كاملة}. [البقرة: 196].

تكفير الإثم في حالة الضهار يتمثل في صوم شهرَيْن متواصلَيْن وذلك استنادًا لما ذُكر في القرآن الكريم حيث قال الله سبحانه وتعالى: إن الأشخاص الذين يقومون بالظهار من زوجاتهم ثم يرغبون في التراجع عن قولهم، يجب عليهم في البداية تحرير عبد قبل أن يحصل بينهما أي ملامسة؛ هذا ما يجب التنبيه له والله على كل شيء عليم. ومن لم يستطع أداء ذلك، عليه بصيام شهرين متتاليين قبل العودة للعلاقة الزوجية… [سورة المجادلة: الآيات 3،4].

صوم النية المعاهدة، والعهد الموقوف على شرط، يعتبر غير مستحب في كل الظروف. مع ذلك، إذا تحقق النذر فيصبح من اللازم على المؤمن أن يلتزم بتنفيذه، استنادًا لقوله سبحانه وتعالى عندما وصف المتقين بأنهم: “…ينجزون النذور…” [سورة الإنسان: 7]، واستنادًا لقوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا، احترموا العهود…” [سورة المائدة: 1].

الصيام المنهي عنه

يشمل الصيام المنهي عنه ما يلي:

يُحظر الصيام في يومي العيد الفطر والأضحى، بناءً على حديث نقله أبو سعيد الخدري يذكر أن النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، منع الصيام في هذين اليومين. وقد اتفق جمهور العلماء على عدم جواز الصيام فيهما.

الصيام خلال أيام التشريق، التي تأتي بعد يوم الأضحى مباشرة وعددها ثلاثة، مشروط بناءً على قول نبينا محمد، صلوات الله وسلامه عليه: “إن أيام التشريق هي أيام للأكل والشرب وذكر الله العظيم” كما روى الإمام مسلم. ويُسمح لأتباع المذهب الشافعي بالصيام في هذه الأيام إذا كان هناك داعٍ كالنذور أو الكفارات.

إمساك يوم الجمعة وحده مُستنكر وذلك استناداً لما جاء عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “لا تجعلوا صيام يوم الجمعة منعزلاً ما لم يكن ضمن يوم يسبقه أو يلحقه”. هذا ما رواه البخاري ومسلم. ولكن، إذا تزامن يوم الجمعة مع يوم صيام يعتاد الشخص على صيامه، أو إذا كان قد صام يوماً قبل الجمعة أو يوماً بعده، ففي هذه الحالة يكون صيامه مقبولاً.

إياكم أن تصوموا يوم السبت بشكل مستقل إلا إذا كان في ذلك يوم فرض عليكم صيامه. ففي الحديث الذي أخبر به النبي صلوات الله وسلامه عليه يقول: “لا تقوموا بصيام يوم السبت ما لم يكن ذلك يوماً مفروضاً عليكم، وإذا لم يجد أحد منكم شيئاً ليأكله إلى جانب لحاء العنب – أي قشرته – أو أي عود من الأخشاب فليعض عليه.” هذا ما نقله الإمام أحمد وأهل السنن والحاكم عن النبي. لكن إذا وافق يوم السبت يوماً كان الشخص يتعود على صيامه أو إذا كان قد صام يوماً قبل السبت أو ينوي صيام يوم يليه، ففي هذه الحالة يكون صومه مقبولاً وجائزاً.

يُستحب الإمساك عن الصيام في الجزء الأخير من شهر شعبان إذا لم يكن الشخص معتاداً عليه من قبل، وذلك استناداً لما ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: “إذا مضى نصف شَعبان فلا تَصوموا”. هذا القول مروي في كتب السنة. ويشير العلماء الفقهاء إلى مكروهية الصيام بعد نصف شعبان إلّا إذا كان للشخص صيام يواظب عليه، فيُقر في هذه الحالة استمراره على عادته. وتزيد الكراهية للصيام مع اقتراب رمضان بيوم أو يومين، مستدلين بالحديث: “لا تقدّموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا لمن كان يصوم صوماً فليصمه”، وهو حديث متفق عليه. ويُشدد النهي بالخصوص عن صيام يوم الشك، والذي يوافق الثلاثين من شعبان، وفق قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم”، وهو حديث رواه أصحاب السنن والحاكم، وأقر بأنه حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم.

يذكر حديث أبي هريرة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قد نهى الأشخاص المتواجدين في موقع عرفة عن الإمساك بيوم عرفة. هذا الحديث قد رواه خمسة من الرواة باستثناء الترمذي، وقد أكد على صحته الحاكم.

يجب على المرأة التي ترغب في الصيام النافل ألّا تفعل ذلك من دون الحصول على موافقة زوجها أولاً، استناداً إلى ما نقله أبو هريرة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قال: “لا يجوز للمرأة أن تؤدي الصيام وزوجها موجود – بمعنى متواجد – دون أن تستأذنه، ما عدا في شهر رمضان”، وهذا حديث اتفق على صحته العلماء.

يتعلق الوصال في شهر الصيام برفض الصائم تناول أي طعام وامتداد صومه من يوم إلى اليوم التالي دون انقطاع. يستند ذلك إلى رواية ابن عمر التي تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حظر الوصال في الصيام وعندما أُلحّ عليه بأنه يواصل، أجاب بأن حاله يختلف عن حالهم فهو يتلقى الغذاء والشراب من الله تعالى. وقد أجمعت الروايات على صحة هذا الحديث.

إليك إعادة صياغة الفقرة باللغة العربية: “جاء عن ابن عمر قوله، إن النبي عليه الصلاة والسلام قد أفاد: ‘ليس بصائم من قام بالصيام دائماً’، وهذا الحديث مُجمع على صحته.” ملاحظة: أقوم بإعادة صياغة النص العربي المُقدّم من قِبَل العميل، ولا أترجم من لغة إلى أخرى.

ومن أنواع الصيام التي يُنهى عنها: صيام المرأة خلال فترة الحيض أو بعد الولادة مباشرةً، وهذا ممنوع شرعاً، وكذلك صيام الأشخاص المرضى، المسافرين، النساء الحوامل والمرضعات، بالإضافة إلى الشيوخ الذين يعانون من أعباء الصيام بسبب تقدمهم في السن، فهذا الصيام يُعد غير مرغوب فيه.

صيام التطوع

من السنّة الصيام في الأيام التالية:

الإمساك عن الطعام والشراب لمدة ستة أيام من شهر شوال بناءً على حديث نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: “من قام بالصيام خلال رمضان ثم قام بمتابعته بستة أيام من شوال، يعدّ ذلك كمن صام العمر كله” بهذا نقل الحديث الإمام مسلم. ويُستحب أن يتواصل الصيام مباشرة بعد الاحتفال بعيد الفطر.

اعتاد النبي صلى الله عليه وسلم على عدم ترك أربع عبادات حسب ما نقلت حفصة، ومنها صيام الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة، بالإضافة إلى صيام عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر، وأداء ركعتين قبل صلاة الفجر. تم تسجيل ذلك في حديث رواه كل من الإمام أحمد والنسائي. كذلك يُعظَّم شأن صيام يوم عرفة بالنسبة للمسلمين الذين لا يكونون واقفين بعرفة نتيجة حديث يشير إلى أن صوم ذلك اليوم يحقق غفران الذنوب لسنتين، السنة الفائتة والقادمة، وصيام يوم عاشوراء يُكفِّر عن السنة الماضية. هذا الحديث تم روايته من قبل عدد من الرواة إلا البخاري فلم يروِه.

يتأكد فضل صوم شهر المحرم لما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه، إذ سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الصلوات فأجاب بأنها صلاة الليل. وعند السؤال عن الصيام الأفضل بعد رمضان، قال إنه صيام المحرم. هذه الأحاديث رواها الإمام أحمد ومسلم وأبو داود. أيضاً، يؤكد صيام يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر من المحرم، وذلك بحديث جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنه يصوم هذا اليوم وليس بواجب، ومن شاء فليصم ومن شاء فليفطر. هذا الحديث متفق عليه. كما يُستحب للمسلم أن يصوم يوماً قبل العاشر أو بعده أو كليهما، كي يخالف اليهود، وتأكيداً على هذا من خلال حديث نبوي يقول إنه لو عاش النبي للعام المقبل لصام التاسع أيضاً مع العاشر، حديث رواه مسلم.

الالتزام بالصوم في يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع، استنادًا إلى ما نُقل عن أبي هريرة من قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال: “تُقدَّم الأعمال للعرض في الإثنين والخميس، وأفضّل أن يُرفع عملي وأنا في حالة صيام” (أخرجه الترمذي وذكر أنه حديث جيد).

إمساك الصائم عن الطعام والشراب لمدة ثلاثة أيام خلال كل شهر يعادل الصيام لمدة العام بأكمله، وذلك بناءً على ما نُقل عن عبد الله بن عمرو بن العاص، الذي نقل أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: “إمساك ثلاثة أيام كل شهر كأنما صام العمر كله”، وهذا متواتر في الأحاديث. وقد ذكر أبو ذر في حديث آخر أن هذه الأيام المحددة للصيام تكون في الأيام المنوّرة، أي: اليوم الثالث عشر واليوم الرابع عشر واليوم الخامس عشر من الشهر القمري.

الامتناع عن الطعام ليوم والإفطار في اليوم التالي، استنادًا إلى حديث النبي عليه الصلاة والسلام مع ابن عمر حيث قال: “صم يومًا وأفطر يومًا، هذا هو صوم داود وهو خير الصيام”، فأجبت: إنني أستطيع القيام بأكثر من ذلك، فأجاب: “لا يوجد أفضل من ذلك”. (متفق عليه).

يُشدد على أهمية الصوم خلال الأشهر الفضيلة، إذ ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه أوصى أحد أفراد قبيلة باهلة بالقول: “صم في هذه الأوقات المباركة، ثم خلِّل بين صومك، صِم ثم انقطع، صِم ثم انقطع”، وقد روي هذا الحديث من قبل العديد من الرواة كأحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والبيهقي، بإسناد يُعتبر قوياً. والأشهر التي يُشير إليها هي الأشهر الحرم وهي: شهر ذو القعدة، وشهر ذو الحجة، وشهر المحرّم، وشهر رجب.

إكثار الصوم في شهر شعبان، استناداً لما رُوي عن عائشة قالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يتم صيام أي شهر بالكامل سوى رمضان، ولم أشهد له في شهر يزيد فيه على صيامه كما كان يفعل في شعبان. (أخرجه البخاري ومسلم).

يُسمح لمن يصوم نافلة أن يفطر في النهار إذا شاء، كما يُستحب له أن يقضي ذلك اليوم بعد ذلك. وذلك لقول الحديث: “من يصوم تطوعاً هو قائد نفسه، يصوم إذا أراد ويفطر إذا شاء”، وقد أورد الحاكم هذا الحديث وأكد على صحة سنده. ووفقاً لحديث آخر رواه أبو سعيد الخدري، عندما أعد طعامًا للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولما قُدم الطعام، ذكر رجل أنه صائم. فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم: “أخوكم دعاكم، وبذل جهدًا من أجلكم”، ثم قال: “افطر وقم بالصيام يومًا آخر بدلاً منه إن رغبت”، وقد روى البيهقي هذا الحديث بسند جيد.

صلاة التراويح

روت عائشة، رضي الله عنها، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أدى صلاة التراويح في المسجد، فانضم إليه جمع من الناس في الصلاة. وعندما صلى ليلة ثانية، تزايد عدد المصلين. وفي الليلة الثالثة أو الرابعة تجمعوا من جديد، لكن النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يخرج لملاقاتهم. وفي الصباح التالي، فسّر ذلك بقوله إنه لاحظ تجمعهم، وأنه لم يتخلف عن الخروج إليهم إلا خوفا من أن تصبح تلك الصلاة واجبة عليهم. وقد أورد هذا الحديث الشيخان في مجموعاتهما الحديثية.

لقد كان المصلون في شهر رمضان يؤدون صلاة التراويح، وهي ما يُسمّى بقيام الليل في رمضان، بمفردهم سواء في المساجد أو في منازلهم، ويُؤكِّد السيرة النبوية أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد قام بجمعهم وأمّهم في الصلاة، كما ورد في الحديث الذي ذُكر من قبل. بالإضافة إلى ذلك، تُشير الروايات الأخرى إلى أنه كان يشارك أصحابه في قيام الليل ضمن العشر الأواخر من رمضان وفي الليالي الفردية، وظل الوضع على ما هو عليه حتى العام الرابع عشر للهجرة. يُنقل عن عبد الرحمن بن عبد القاري قوله: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى المسجد في رمضان، فوجدنا الناس مُنتشرين في جماعات مختلفة، وكان كل شخص يصلي بمفرده، وآخر يصلي وتتبعه مجموعة صغيرة. فأعرب عمر عن رأيه قائلاً: لو أننا أجمعنا هؤلاء خلف إمام واحد لكان ذلك أفضل. ومن ثم، قرّر عمر تنفيذ هذا الفكرة وجمعهم خلف أُبيّ بن كعب، وفي ليلة لاحقة خرجتُ أنا وعمر ورأينا الناس يتبعون إمامهم في الصلاة، فقال عمر: ما أحسن هذه البدعة، وما يتركونه من قيام يكون أفضل مما يقومون به – يعني صلاة آخر الليل ولأنهم كانوا يقومون في أوله. وقد أورد البخاري هذا الحديث.

أطلق عمر بن الخطاب على تأدية الناس لصلاة التراويح بشكل جماعي اسم “بدعة” كنوع من المبالغة، ولم يكن يشير إلى البدعة السيئة التي حذّر منها النبي محمد صلى الله عليه وسلم. والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قام بجمع المسلمين لأداء صلاة التراويح وأمَّهم فيها، في حين قام عمر بتنظيم إقامة هذه الصلاة خلف إمام واحد بشكل منتظم. هذا الفعل يعد تطبيقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة” كما رواه مسلم. وذلك لأن السنة الحسنة هي التي تستند إلى أساس صحيح في الشرع.

ليلة القدر

تُعتبر ليلة القدر الأفضل من بين كافة الليالي على مدار العام، نظراً لقوله تعالى الكريم الذي ينص على أن القرآن الكريم نزل تحديداً في هذه الليلة المباركة، وهل هناك معرفة أجلاها حقاً لما لهذه الليلة من فضل عظيم؟ إنها تعتبر خيراً من عبادة ألف شهر، وفيها يهبط الملائكة بالإضافة إلى الروح، بمشيئة الله سبحانه، لتنفيذ كل الأمور، وتظل السلام والطمأنينة مسيطرة حتى بزوغ الفجر، وذلك واضح في سورة القدر التي تذكر هذا الأمر بتفصيل.

حثَّ نبي الإسلام، صلى الله عليه وسلم، على أهمية صلاة ليلة القدر، وقال: “من اعتكف وصلى خلال ليلة القدر، مُؤمناً بنوايا صادقة، سيتم مسح سيئاته السابقة” (رواية متواترة).

اختلفت آراء العلماء حول تحديد ليلة القدر من بين الليالي الفردية في العقد الأخير من شهر رمضان، استناداً إلى قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن البحث عن ليلة القدر في الليالي الفردية من العشر الأواخر من رمضان كما رُوي عن البخاري. فمن العلماء من يعتقد بأنها تصادف ليلة الحادي والعشرين، وآخرون يعدونها ليلة الثالث والعشرين، وثمة من يذهب إلى أنها ليلة الخامس والعشرين. بيد أن الغالبية تميل إلى التأكيد على أن ليلة السابع والعشرين من رمضان هي ليلة القدر.

لذا، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُجَلِّي ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان باليقظة والعبادة طوال الليل، وكان يُنبِّه أسرته للقيام بها ويُلازِم الاجتهاد والتفاني. (مُتَّفَقٌ على صحته).

سؤلت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم عمّا تقول في حال تعرّفت على ليلة القدر، فأجابها أن تدعو بقول: “اللهم إنك عفو كريم تحب العفو، فاعف عني”. وقد صنّف الترمذي هذا الحديث على أنه حديث حسن صحيح.

الاعتكاف

إقامة الاعتكاف: تعني المكوث في المسجد لأداء الطقوس الدينية، ويُفضل ممارستها خلال العشرة أيام الأخيرة من شهر رمضان، شريطة وجود النية الصادقة والتطهر من الجنابة وفترات الحيض وما بعد الولادة.

إنَّ ما كان يقوم به نبيُّ الله، مُحمّد صلى الله عليه وسلّم، من عملٍ واستمر على فعله هو من السُنن المتبعة. فقد ورد عن عائشة، رضي الله عنها، تقول: “إنَّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اعتاد أن يُخصِّص الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان للاعتكاف، وهو أمر استمر عليه حتى قبضه الله إلى الرفيق الأعلى، وبعد وفاته استمرتْ أزواجه في المحافظة على هذه السنة”. وهذا الأمر مُتفق عليه بين العلماء.

يُستحبّ أن يشرع الإنسان فيه بعد صلاة الفجر استناداً إلى ما ذكرته عائشة رضي الله عنها، حيث قالت: “كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبدأ بالاعتكاف بعد أداء صلاة الفجر، ثم يتوجه إلى مكان اعتكافه”، وهذا الحديث مُتفق على صحته.

يُستحبُّ أن لا يغادر الشخص المُعتكف المسجد إلّا لضرورة قصوى، فلا يزور مريضًا ولا يحضر تشييع الموتى ولا يلمس امرأة ولا يُقاربها.

الاعتكاف يُعدُّ زمنًا مثاليًا للابتعاد عن ضوضاء الحياة اليومية وأنشطتها المتلاحقة، والتوجه نحو التفرغ للتعبد وتلاوة كتاب الله وترديد أذكاره، مع التكثيف من نداءات الدعاء، وطلب الغفران والتحميد، بالإضافة إلى الصلاة والسلام على نبي الله محمد، عليه أفضل الصلاة والتسليم.

ومن السلوكيات المستحبة للمعتكف أن يحافظ على الكلام الطيب فقط، وأن يبتعد عن كل ما قد يلهيه عن عبادة الله، وأن يختار للاعتكاف مسجداً يعقد فيه جماعة. وبالنسبة للمرأة، يُعتبر أفضل اعتكاف لها هو الذي يُمارس في مسجد منزلها.